All News
All Companies
العربية
All News /
الأسواق
المستشرقون الجدد.. تحيز قديم بربطة عنق حديثة
2025-06-25

المستشرقون الجدد.. تحيز قديم بربطة عنق حديثة

بقلم إسلام زوين

 "تفتقر منطقة الخليج إلى الأراضي الصالحة للزراعة والمياه اللازمة لأغراض الري، إذ تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على صادراتها من الغذاء"، هذه عبارة وردت في أحد المقالات المنشورة مؤخرًا في إحدى وسائل الإعلام الغربية البارزة.

ويُشكّل هذا المثال نموذجًا عن العديد من المقالات التي تناولت منطقتنا في الإعلام الغربي، في محاولة لترسيخ صور نمطية سطحية (ربما عن عمدٍ) عن منطقتنا.
لنأخذ مثالاً آخر على ذلك: "تحتاج المملكة العربية السعودية إلى رؤوس أموال أجنبية لمواصلة الإنفاق"، هذا التصريح، الذي ورد مجددًا في مقال نُشر مؤخرًا في وسيلة إعلامية غربية بارزة تُسهم في تشكيل تصور المستثمرين الغربيين للعالم -وليس فقط لمنطقتنا- يدفعنا للتفكير النقدي في كيفية حمل العبارات الاقتصادية الظاهرية، في منابر صحفية يُفترض بها الحياد والنزاهة، لمعانٍ أيديولوجية وأبعاد سياسية خفية.

يعكس هذان التصويران للاقتصاد السعودي والخليج العربي نمطًا سائدًا ومنهجيًا في الخطاب الغربي، وهو ما أُطلق عليه في هذا المقال مسمّى "الاستشراق الجديد " في الصحافة الغربية.

يرتكز هذا المفهوم على النظرية الرائدة لإدوارد سعيد حول الاستشراق، والتي تنتقد الطريقة الغربية في بناء صور ذهنية اختزالية ونمطية عن الشرق، تُستخدم في خدمة مصالح الغرب السياسية والاقتصادية والثقافية.

من خلال تجاهلهم إلى حدٍّ كبير في مقالاتهم "التحليلية" للمؤشرات الاقتصادية القوية والموثوقة، مثل التوسّع في القطاعات غير النفطية في السعودية خلال السنوات الأخيرة، لا سيّما في قطاعات التصنيع والتعدين والطاقة المتجددة، تُسهم هذه السرديات في ترسيخ افتراضات قديمة لا تعكس الحداثة القائمة على الاستقلال الذاتي للمملكة أو ديناميكيات اقتصادها المتطور.

وتكشف هذه المعالجة الانتقائية في التناول الإعلامي عن ميلٍ واضحٍ للتقليل من شأن الإنجازات الاقتصادية الجوهرية أو تهميشها عند عدم توافقها مع الأطر المسبقة التي يتبناها الخطاب الغربي.

تُعدّ البيانات الواقعية أبلغ من الكلمات؛ فقد بلغ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في السعودية من الأنشطة غير النفطية نسبة 3.9% في عام 2024، نتيجة استمرارية التوسّع في الاستثمارات داخل القطاعات غير النفطية.

وقد ساهمت هذه القطاعات خلال العام الماضي بنسبة 51% من الاقتصاد السعودي، وهو ما يمثل إنجازا تاريخيًا غير مسبوقٍ في مسيرة المملكة نحو تطوير القطاع غير النفطي منذ إطلاق رؤية السعودية 2030 في عام 2016.

وسجّل الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي نموًا سنويًا قويًا بلغ 4.2% خلال الربع الأول من العام الحالي، كما توسعت الأنشطة غير النفطية بقوة بنسبة 4.3%، بينما ارتفعت الصادرات غير النفطية بنسبة 13.4% على أساس سنوي.

شهد قطاع التصنيع في مارس نموًا لافتًا بنسبة 5.1% على أساس سنوي، ما يبرز الأهمية المتزايدة لهذا القطاع في دعم الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي. وفي السياق ذاته، شكّلت إيرادات النفط 56% فقط من إجمالي إيرادات الحكومة في الربع الأول من عام 2025 (قبل اندلاع المواجهة العسكرية واسعة النطاق بين إسرائيل وإيران في 12 يونيو)، بعدما كانت 62% في الفترة ذاتها من العام السابق.

يشير التحليل الموضوعي لهذه البيانات إلى أن هذا التقدّم الاقتصادي الحقيقي في المملكة يتحدّى الخطاب الاستشراقي الجديد السائد في بعض السرديات الإعلامية الغربية.

ويركز الخطاب الاستشراقي الجديد على إبراز مظاهر التبعية والخلل وسوء الحوكمة في منطقتنا، مع التقليل من شأن التطورات الإيجابية أو تجاهلها تماماً.

تُقدَّر الاحتياطيات المعدنية في السعودية حالياً بنحو 9.37 تريليون ريال (2.5 تريليون دولار)، بزيادة تصل إلى 90% منذ عام 2016، نتيجة الاكتشافات الجديدة لعناصر الأرض النادرة وغيرها من الموارد الثمينة، ما يعكس إمكانيات المملكة على التوسع خارج نطاق الاعتماد على النفط.

علاوة على ذلك، اضطلعت المملكة بإنشاء أكبر محطة طاقة شمسية أحادية الموقع في العالم داخل المملكة، من المقرر أن تصل قدرتها الإنتاجية إلى 2,060 ميغاواط بنهاية عام 2025، ما يعد مؤشرًا واضحًا على التزام المملكة برؤية طويلة الأمد للطاقة المتجددة وتخطيطها الاستراتيجي للتحول إلى مركز تصدير كهربائي للمنطقة وأوروبا.

يعكس التوجه الاستباقي نحو دمج شركات التكنولوجيا العالمية، مثل شركة لينوفو الصينية مؤخرًا، في قطاع التصنيع المحلي رؤية اقتصادية استراتيجية.

وأؤكد في هذا السياق أن تغطية وسائل الإعلام الغربية، سواء في تحليلاتها أو تقاريرها المعمّقة، تنطلق من إطار استشراقي جديد، يُغفل هذه التطورات المتعددة الأبعاد، ويركّز بدلاً من ذلك على  "تأطير" عجز الميزانية الحكومية وحصره في تراجع إيرادات النفط و"الإسراف" وكأننا لا ندرك كيف ندير أمورنا بأنفسنا.

إنّ تسليط الضوء على التحديات المالية دون تناول مسارات التنويع الاقتصادي وتطوير الموارد يُفضي إلى قراءة سطحية للمشهد الاقتصادي، ويكشف عن دوافع سياسية كامنة خلف تشكيل سردية مبسّطة موجهة إلى القارئ.

كما أن تبنّي منظور أكثر شمولاً من شأنه أن يأخذ في الاعتبار كلاً من التحديات والمبادرات الجوهرية الجارية، ما يوفّر قراءة متوازنة وموضوعية ومنصفة لواقع منطقتنا.

وقد عاد الاستشراق اليوم في ثوب جديد، أكثر أناقة وأقل صراحة، كبدلة رسمية تخفي تحت قماشها نفس الصور النمطية والتعميمات القديمة، وإن تغيرت لغة التعبير.

Source: Argaam