
يدخل الغاز الطبيعي مرحلة انتقالية في تطوره ضمن قطاع الطاقة العالمي. فبعد أن كان لعقود من أبرز مصادر الطاقة الأحفورية من حيث الموثوقية وتنوع الاستخدام، ما زال يؤدي دورًا أساسيًا في تلبية احتياجات العالم من الطاقة، بالتوازي مع التوسع في استخدام المصادر المتجددة. وفي تقرير بعنوان «الطلب العالمي على الغاز الطبيعي: متى يبلغ الاستهلاك ذروته؟»، أوضحت مؤسسة العطية أن الطلب العالمي على الغاز بلغ في عام 2024 نحو 4,170 مليار متر مكعب، بزيادة 2 في المائة مقارنة بالعام السابق. ويُعزى هذا النمو إلى انتعاش النشاط الصناعي وتوسع مشاريع الغاز الطبيعي المسال، بالإضافة إلى النمو الاقتصادي في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا. ويشير التقرير إلى أن الغاز الطبيعي ما زال يشكّل جزءًا رئيسيًا من مزيج الطاقة العالمي، إذ يسهم بنسبة 22 في المائة من إنتاج الكهرباء و27 في المائة من استهلاك الطاقة في القطاع الصناعي. وتكمن أهميته في قدرته على توفير طاقة منخفضة الانبعاثات نسبيًا وبتكلفة مناسبة، مع مرونة في تلبية الطلب.
ووفقًا للوكالة الدولية للطاقة، ارتفع استهلاك الغاز في الأسواق الناشئة بنسبة 6 في المائة خلال عام 2024، مما عوّض جزئيًا تراجع استهلاكه في الاقتصادات المتقدمة. أما بالنسبة لمستقبل الغاز الطبيعي، فيوضح التقرير أن ذروة الطلب لن تنتج عن نقص في الموارد، بل عن تغيّر في السياسات الحكومية وتطور التقنيات. وتشير بعض التقديرات إلى أن الطلب قد يستقر في ثلاثينيات هذا القرن مع تسارع جهود خفض الانبعاثات، بينما ترجّح تقديرات أخرى استمرار نمو الاستهلاك حتى خمسينيات القرن الحالي، خصوصًا في الدول ذات النمو السكاني والصناعي المرتفع.
ويُتوقع أن يواصل الغاز الطبيعي دوره في منظومة الطاقة خلال العقود المقبلة، بفضل أهميته في تحقيق التوازن بين مصادر الطاقة المتجددة، ودعم القطاع الصناعي، وتلبية احتياجات الاقتصادات النامية لمصادر الطاقة الموثوقة منخفضة الانبعاثات.
ومن ناحية أخرى، يشهد إنتاج الغاز الطبيعي المسال توسعًا عالميًا ملحوظًا، إذ تتوقع الوكالة الدولية للطاقة أن تبلغ القدرات التصديرية الجديدة نحو 290 مليار متر مكعب سنويًا بين عامي 2025 و2030. وتشمل أبرز المشاريع توسعة حقل الشمال في قطر، ومشروعي كورال ساوث وروفوما في الموزمبيق، إلى جانب مشاريع في الولايات المتحدة مثل غولدن باس وبلاكيمينز، والتي تمثل مجتمعة أكثر من 70 مليون طن سنويًا من القدرات الجديدة قيد التنفيذ. وفي الوقت نفسه، تتقدم تقنيات احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه، إلى جانب تطوير حلول للحد من انبعاثات الميثان، ما يدعم جهود تقليل البصمة الكربونية لقطاع الغاز. وتشير مؤسسة العطية إلى أن الاستثمار في بنية تحتية متكاملة للغاز النظيف أصبح عنصرًا مهمًا لتحقيق التوازن بين متطلبات التنمية وأمن الطاقة.